الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً}، يعني: الساعة تأتيهم فجأة، {فَتَبْهَتُهُمْ}؛ يعني: فتفجؤهم، {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا}، أي صرفها عن أنفسهم.{وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}، يعني: لا يمهلون ولا يؤجلون.قوله عز وجل: {وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ} كما استهزأ بك قومك، {فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ}؛ أي نزل بالذين سخروا منهم، {مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ}، يعني: العذاب الذي كانوا به يستهزئون.قوله عز وجل {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} يعني: من يحفظكم {باليل والنهار مِنَ الرحمن} يعني: من عذاب الرحمن، معناه من يمنعكم من عذاب الرحمن إلا الرحمن؟ {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ}، يعني: عن التوحيد والقرآن.{مُّعْرِضُونَ} مكذبون تاركون.قوله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ}؛ الميم صلة يعني: ألهم آلهة.{تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا}، يعني: من عذابنا.{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ}، يعني: لا تقدر الآلهة أن تمنع نفسها من العذاب أو السوء، إن أرادوا بها فكيف ينصرونكم؟ {وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ}، يعني: يأمنون من عذابنا، وقال مجاهد: يعني: ولا هم منا ينصرون؛ وقال السدي: لا نصحبهم فندفع عنهم في أسفارهم؛ وقال القتبي: أي لا يجارون، لأن المجير صاحب لمجاره.ثم قال عز وجل: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء}، يعني: أجلناهم وأمهلناهم {وَءابَاءهُمْ} من قبلهم.{حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر}، يعني: الأجل.{أَفَلاَ يَرَوْنَ}، يعني: أفلا ينظر أهل مكة؟ {أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا}، أي نأخذ ونفتح الأرض ننقصها.{مِنْ أطرافها}؟ ما حول مكة، أي ننقصها بمحمد صلى الله عليه وسلم من نواحيها؛ ويقال: يعني: نقبض أرواح أشراف أهل مكة ورؤسائها؛ وقال الحسن: هو ظهور المسلمين على المشركين؛ وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هو موت فقهائها وذهاب خيارها؛ وقال الكلبي: يعني: السبي والقتل والخراب.ثم قال تعالى: {أَفَهُمُ الغالبون}؟ يعني: أن الله تعالى هو الغالب وهم المغلوبون.ثم قال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحى}، يعني: بما نزل من القرآن.{وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ}، يعني: أن من يتصامم لا يسمع الدعاء إذا ما يخوَّفون.قرأ ابن عامر {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} بالتاء بلفظ المخاطبة، ومعناه أن لا تقدر أن تسمع الصم الدعاء إِذا ما ينذرون، يعني: إذا خوفوا؛ والباقون {وَلاَ يَسْمَعُ} بالياء على وجه الحكاية.ثم أخبر عن قلة صبرهم عند العذاب فقال: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مّنْ عَذَابِ رَبّكَ}، يعني: من أصابتهم عقوبة من عذاب ربك، ويقال: لئن أصابهم العذاب أي طرف من العذاب، ويقال: أدنى شيء من عذاب ربك.{لَيَقُولُنَّ ياويلنا قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين}، أي ظلمنا أنفسنا بترك الطاعة لله.{وَنَضَعُ الموازين القسط}، يعني: ميزان العدل {لِيَوْمِ القيامة}، يعني: في يوم القيامة.قال ابن عباس: هو ميزان له كفتان، وله لسانان يوزن به الأعمال الحسنات والسيئات، فيجاء بالحسنات في أحسن صورة ويجاء بالسيئات في أقبح صورة.{فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}، يعني: لا ينقص من ثواب أعمالهم شيئًا؛ {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ}، يعني: وزن حبة {مّنْ خَرْدَلٍ}.قرأ نافع {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} بضم اللام؛ وقرأ الباقون بالنصب؛ فمن قرأ بالرفع فمعناه وإن حصل للعبد مثقال حبة من خردل، ومن قرأ بالنصب معناه وإن كان العمل مِثْقَالَ حَبَّة يصير خبر كان {أَتَيْنَا بِهَا}، يعني: جئنا بها وأحضرناها، وقرأ بعضهم {ءاتَيْنَا} بالمد، يعني: جازينا بها وأعطينا بها، وقراءة العامة بغير مد.ثم قال: {وكفى بِنَا حاسبين}، يعني: مجازين.قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان}؛ يقول: النصرة والنجاة، فنصر موسى وهارون وأهلك عدوهما فرعون.{وَضِيَاء}، يعني: الذي أنزل عليهما من الحلال والحرام في الكتاب.قرأ ابن كثير {وَضِئَاءً} بهمزتين، والباقون بهمزة واحدة.{وَضِيَاء وَذِكْرًا}، يعني: عظة {لّلْمُتَّقِينَ} الذين يتقون الكفر والفواحش والكبائر، وقال مجاهد: الفرقان الكتاب، وقال السدي: الفرقان والنصر والضياء النور وذكرًا قال التوراة، وقال مقاتل: الفرقان والتوراة؛ وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ضِيَاء وَذِكْرًا}، يعني: أعطيناهما التوراة نورًا وعظة؛ ويروى، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان ضِيَاء} بغير واو وقال: اجعلوا هذه الواو عند قوله: {والذين استجابوا لِلَّهِ}.ثم قال عز وجل: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب}، يعني: يعملون لربهم في غيب عنه، والله تعالى لا يغيب عنه شيء.{وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ}، يعني: من عذاب الساعة خائفون.قوله عز وجل: {وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ}، يعني: هذا القرآن ذكر مبارك، يعني: فيه السعادة والمغفرة للذنوب والنجاة لمن آمن به.{أنزلناه} لكم {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}؟ يعني: أفأنتم للقرآن مكذبون جاحدون؟. اهـ.
أي أهمُ؟ نزلت هذه الآية حين قالوا: نتربّص بمحمد ريب المنون.{كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم} نختبركم {بالشر والخير فِتْنَةً} ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبّون، وكيف صبركم فيما تكرهون.{وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ} ما يتّخذونك {إِلاَّ هُزُوًا} سخريًّا ويقول بعضهم لبعض {أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} بسوء ويعيبها، قال عنترة: أي لا تعيبي مهري.{خُلِقَ الإنسان} يعني آدم، قرأ العامّة: بضم الخاء وكسر اللام على غير تسمية الفاعل، وقرأ حميد والأعرج بفتح الخاء واللام يعني خلق الله الانسان {مِنْ عَجَلٍ} اختلفوا فيه فقال بعضهم: يعني أنّ بنيته وخلقته من العجلة وعليها طُبع، نظيره قوله: {وَكَانَ الإنسان عَجُولًا} [الإسراء: 11].قال سعيد بن جبير والسدي: لمّا دخل الروح في عيني آدم نظر إلى ثمار الجنّة، فلمّا دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ}.وقال آخرون: معناه خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إيّاهـ. وقالوا: خلقه في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس فأسرع في خلقه قبل مغيبها.قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كلّ شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق، فلمّا أحيا الروح رأسه ولم يبلغ أسفله قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.وقال بعضهم: هذا من المقلوب مجازه: خُلق العجل من الإنسان كقول العرب: عرضت الناقة على الحوض يريدون: عرضت الحوض على الناقة وكقولهم: إذا طعلت الشمس الشعرى، واستوى العود على الحربا أي استوى الحربا على العود. وقال ابن مقبل: يريد حسرت السربال عن كفّي، ونحوها كثير.وقال أبو عبيد: وكثير من أهل المعاني يقولون: العجل الطين بلغة حمير، وانشدوا: أي الطين.{سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بالعذاب وسؤال الآيات {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} الذي تعدنا من العذاب، وقيل: القيامة، وتقديره الموعود {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.قال الله سبحانه {لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ} يمنعون {عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ} السياط {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} وفي الآية اختصار يعني لمّا أقاموا على كفرهم ولم يتوبوا.{بَلْ تَأْتِيهِم} يعني الساعة {بَغْتَةً} فجأةً {فَتَبْهَتُهُمْ} قال ابن عباس: تفجأهم، وقال الفرّاء: تحيّرهم. {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} يحفظكم ويحرسكم {باليل والنهار مِنَ الرحمن} إذا انزل بكم عذابه، ومعنى الآية: من أمر الرَّحْمن وعذابه.ثم قال سبحانه {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ} كتاب ربّهم {مُّعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ} الميم صلة فيه وفي أمثاله {آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} فكيف ينصرون عابديهم.{وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} قال ابن عباس: يمنعون، عطية عنه: يُجارون، يقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان أي مجير عنه.مجاهد: ينصرون ويحفظون، قتادة: لا يصحبون من الله بخير.{بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء} الكفّار {وَآبَاءَهُمْ} في الدنيا {حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} يعني ما ننقص من أطراف المشركين ونزيد في أطراف المؤمنين.{أَفَهُمُ الغالبون} أم نحن {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحي} بالقرآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} قرأ أبو عبد الرَّحْمن السلمي بضم الياء وفتح الميم، الضم رفع بمعنى أنّه لا يفعل بهم ذلك على مذهب ما لم يبين فاعله.وقرأ ابن عامر {تُسمع} بتاء مضمومة وكسر الميم والصُمَّ نصبًا، جعل الخطاب للنبي عليه السلام، وقرأ الآخرون: {يسمع} بياء مفتوحة وفتح الميم الصمُّ رفع على أنّ الفعل لهم {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} يخوّفون ويحذّرون.{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} أصابتهم {نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} قال ابن عباس: طرف، مقاتل وقتادة: عقوبة، ابن كيسان: قليل، ابن جريج: نصيب، من قولهم: نفح فلان لفلان إذا أعطاه قسمًا وحظًّا منه، بعضهم: ضربة، من قول العرب: نفحت الدابة برجلها إذا ضربت بها. قال الشاعر: {لَيَقُولُنَّ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ وَنَضَعُ الموازين القسط} العذاب وإنّما وحدّ القسط وهو جمع الموازين لأنّه في مذهب عدل ورضىً.قال مجاهد: هذا مَثَل، وإنّما أراد بالميزان العدل.{فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} لا ينقص من حسناته ولا يزاد على سيّئاته.يروى أنّ داود عليه السلام سأل ربّه أن يريه الميزان فأراهـ. فلمّا رآه غشي عليه ثم أفاق، فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفّته حسنات؟ فقال: يا داود إنّي إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة.فان قيل: كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} [الكهف: 105]؟ فالجواب: إن المعنى فيه: لا نقوّمها ولا تستقيم على الحقّ، من ناقصه سائله لأنها باطلة.{وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} رفع أهل المدينة المثقال بمعنى: وان وقع، وحينئذ لا خبر له ونصبها الباقون على معنى: وإن كان ذلك الشيء مثقال، ومثله في سورة لقمان {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها، وقرأ مجاهد: آتينا بالمدّ أي جازينا بها.{وكفى بِنَا حَاسِبِينَ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان} يعني الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل وهو التوراة.وقال ابن زيد: النصر على الأعداء، دليله قوله: {وما أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] يعني يوم بدر، وهذا القول أشبه بظاهر الآية لدخول الواو في الضياء والذكر للمتّقين، وعلى هذا التأويل تكون الواو مقحمة زائدة كقوله سبحانه وتعالى: {بِزِينَةٍ الكواكب وَحِفْظًا} [الصافات: 6- 7].ويروى أنّ عكرمة كان يقول في هذه الآية: معناها: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء، ويقول: انقلوا هذه الواو إلى قوله سبحانه وتعالى: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7].{الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} أي يخافونه ولم يروه {وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} يعني القرآن {أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} جاحدون. اهـ.
|